هذا الشهر سيّد الشهور على الاثر المنقول عن سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله(1).
وهو ربيع المؤمنين(2)، بالخبر الظاهر عن العترة الصادقين عليهم السّلام، وكان الصالحون يسمّونه المضمار.
وفيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، وتصفّد مردة الشياطين، وقد وصفه الله تعالى بالبركة في الذكر الحكيم (3)، وأخبر بانزاله فيه القرآن المبين، وشهد بفضل ليلة منه على ألف شهر يحسبها العادّون(4).
فأوّل ليلة منه يجب فيها النيّة للصيام. ويستحبّ استقبالها بالغسل عند غروب الشمس، والتطهّر لها من الادناس، وفي أوّلها دعاء الاستهلال عند رؤية الهلال (5) وفيها الابتداء بصلاة نوافل ليالي شهر رمضان، وهي ألف ركعة من أوّل الشهر إلى آخره بترتيب معروف في الاصول عن الصادقين من آل محمّد عليهم السّلام(6). ويستحبّ فيها الابتداء بقراءة جزء من القرآن، يتلى من بعده إلى آخره ثلاث مرّآت على التكرار.
ويستحبّ فيها أيضاً مباضعة النساء على الحِلّ دون الحرام، ليزيل الانسان بذلك عن نفسه الدواعي إلى الجماع في صبيحتها من النهار، ويسلم له صومه على الكمال. وفيها دعاء الاستفتاح، وهو مشروح في كثير من الكتب في كتاب الصيام(7).
أوّل يوم من شهر رمضان فرض فيه نيّة فرض الصيام، وبعد صلاة الفجر فيه دعاء مخصوص، موظّف، مشهورعن الأئمّة من آل محمّد عليهم السّلام.
وفي السادس منه أنزل الله التوراة على موسى بن عمران عليه السّلام(
. وفيه من سنة احدى ومئتين للهجرة كانت البيعة لسيدنا أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام(9). وهو يوم شريف يتجدّد فيه سرور المؤمنين، ويستحبّ فيه الصدقة والمبرّة للمساكين، والاكثار لشكر الله عزّ اسمه على ما أظهر فيه من حق آل محمّد عليهم السّلام، وارغام المنافقين.
وفي اليوم العاشر منه سنة عشر من البعثة، وهي قبل الهجرة بثلاث سنين توفيت أُمّ المؤمنين خديجة بنت خويلْد(10) رضي الله عنها وأسكنها جنّات النعيم.
وفي اليوم الثاني عشر منه نزل الانجيل على عيسى بن مريم عليه السّلام(11). ويوم المؤاخاة الذي آخى فيه النبيّ صلّى الله عليه وآله بين صحبه، وآخى بينه وبين عليّ صلوات الله عليهما (12).
وفي الرابع عشر منه سنة سبع وستين للهجرة قُتل المختار ابن ابي عبيدة الثقفي الذي انتقم من قتلة الإمام الحسين عليه السّلام في الكوفة.
وفي ليلة النصف منه يستحبّ الغسل، والتنفّل بمئة ركعة، يقرأ في كل ركعة منها الحمد واحدة، وعشر مرّات قل هو الله أحد، خارجة عن الالف ركعة التي تقدّمت. وقد ورد الخبر في فضل ذلك بأمر جسيم(13).
وفي يوم النصف منه سنة ثلاث من الهجرة كان مولد سيدنا أبي محمّد الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهما السّلام(14). ويستحبّّ فيه الصدقة، والتطوع بالخيرات، والاكثار من شكر الله تعالى على ظهور حجّته، واقامة دينه بخليفته في العالمين، وابن نبيّه سيد المرسلين صلوات الله عليه وآله وسلّم. وفيه من سنة ستّين للهجرة بعث الإمام الحسين عليه السّلام سفيره مسلم بن عقيل إلى الكوفة لأخذ البيعة له من أهلها.
وفي ليلة سبعة عشر منه كانت ليلة بدر، وهي ليلة الفرقان(15) ليلة مسرّة لأهل الإسلام. ويستحبّ فيها الغسل.
وفي يوم السابع عشر منه كانت الوقعة بالمشركين ببدر(16)، ونزول الملائكة بالنصر من الله تعالى لنبيّه عليه السّلام، وحصلت الدائرة على أهل الكفر والطغيان، وظهر الفرق بين الحقّ والباطل، وكان بذلك عزّ أهل الإيمان وذلّ أهل الضلال والعدوان.
ويستحبّ الصدقة فيه، ويستحبّ فيه الاكثار من شكر الله تعالى على ما أنعم به على الخلق من البيان، وهو يوم عيد وسرور لأهل الإسلام.
وفي ليلة تسعة عشر منه يكتب وفد الحاج(17)، وفيها ضرب مولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام الضربة التي قضى فيها نحبه عليه السّلام، وفيها غسل، ويُصلّى فيها من الالف ركعة مئة ركعة على التمام. ويستحبّ فيها كثرة الاستغفار، والصلاة على نبيّ الله محمّد بن عبد الله عليه السّلام، والابتهال إلى الله تعالى في تجديد العذاب على ظالميهم من سائر الانام، والاكثار من اللَّعنة على قاتل أمير المؤمنين عليه السّلام وهي ليلة يتجدّد فيها حزن أهل الايمان.
وفي العشرين منه سنة ثمان من الهجرة كان فتح مكّة(18)، وهو يوم عيد لأهل الإسلام، ومسرّة بنصر الله تعالى نبيّه عليه السّلام، وانجازه له ما وعده، والابانة عن حقّه، وبابطال عدوّه. ويستحبّ فيه التطوع بالخيرات، ومواصلة الذكر لله تعالى، والشكر له على جليل الانعام.
وفي ليلة احدى وعشرين منه كان الاسراء برسول الله صلى الله عليه وآله وفيها رفع الله عيسى بن مريم عليهما السّلام، وفيها قبض موسى بن عمران عليه السّلام، وفي مثلها قبض وصيّه يوشع بن نون عليه السّلام، وفيها كانت شهادة أمير المؤمنين عليه السّلام سنة أربعين من الهجرة وله يومئذ ثلاث وستّون سنة(19). وهي الليلة التي يتجدّد فيها أحزان آل محمّد عليهم السّلام وأشياعهم، ويستحبّ فيها الغسل، وصلاة مئة ركعة كصلاة ليلة تسعة عشر، والاكثار من الصلاة على محمّد وآل محمّد عليهم السّلام، والاجتهاد في الدعاء على ظالميهم، ومواصلة اللعنة على قاتلي أمير المؤمنين عليه السّلام، ومن طرق على ذلك وسببّه، وآثره، ورضيه من سائر الناس.
وفي ليلة ثلاث وعشرين منه أنزل الله عزّوجلّ على نبيّه الذكر، وفيها ترجى ليلة القدر.
وفيها غسل عند وجوب الشمس، وصلاة مئة ركعة، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وعشر مرّات إنّا انزلناه في ليلة القدر ، وتحيى هذه اليلة بالصلاة والدعاء والاستغفار.
ويستحبّ أن يقرأ في هذه الليلة خاصّة سورتي العنكبوت والروم، فانّ في ذلك ثواباً عظيماً، ولها دعاء من جملة الدعاء المرسوم لليالي شهر رمضان، وهي ليلة عظيمة الشرف، كثيرة البركات.
وفي آخر ليلة منه تختم نوافل شهر رمضان، ويستحبّ فيها ختم قراءة القرآن، ويدعى فيها بدعاء الوداع(20) ، وهي ليلة عظيمة البركة.
ــــــــــــــــــــــــــ
× 1 ـ روى الشيخ الكليني في الكافي 67:4 بسنده عن أبي جعفر عليه السّلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله لمّا حضر شهر رمضان وذلك في ثلاث بقين من شعبان قال لبلال: ناد في الناس، فجمع الناس، ثمّ صعد المنبر، فحمد الله واثنى عليه ثمّ قال: أيّها الناس انّ هذا الشهر قد خصّكم الله به وحضركم وهو سيّد الشهور، ليلة فيه خير من ألف شهر... إلى آخر الخطبة. ورواه الشيخ الصدوق في الفقيه 59:2 الحديث 255، والشيخ الطوسي في التهذيب 192:4 الحديث 549.
2 ـ روى الشيخ المفيد في المقنعة (كتاب الصيام، باب سنن شهر رمضان وغيره) عن الباقر عليه السّلام انه قال: لكلّ شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان. ورواه الشيخ الصدوق في ثواب الاعمال: 129 الحديث الاول.
3 ـ اشارة إلى قوله تعالى في سورة الدخان: 2 «إنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إنّا كُنّا مُنْذِرينَ».
4 ـ اشارة إلى قوله تعالى في سورة القدر: «لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ ألفِ شَهْرٍ».
× 5 ـ رواه الشيخ المفيد في المقنعة (كتاب الصيام، باب الدعاء عند طلوع الهلال)، ورواه الشيخ الطوسي في التهذيب 196:4 الحديث 562 بسنده إلى أبي جعفر عليه السّلام قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله إذا أهلّ هلال شهر رمضان، استقبل القبلة، ورفع يديه فقال: أللهم أهلّه علينا بالأمن والايمان... إلى آخر الدعاء. وروى الشيخ الطوسي في المصدر السابق الحديث 563 بسنده عن الصادق عليه السّلام يقول: كان أمير المؤمنين إذا أهلّ شهر رمضان، استقبل القبلة، ورفع يديه فقال: أللهم أهلّه علينا بالأمن والايمان... إلى آخره.
6 ـ انظر تفصيل ذلك في المقنعة للشيخ المفيد (كتاب الصلاة، باب صلاة شهر رمضان) وما رواه الشيخ الطوسي في التهذيب 66:3 الحديث 218.
7 ـ انظر المقنعة: 51.
8 ـ روى ذلك الشيخ المفيد في مسارّ الشيعة، والشيخ الكليني في الكافي 157:4 الحديث 5، والشيخ الصدوق في من لا يحضره الفقيه 102:2 الحديث 457، والشيخ الطوسي في التهذيب 193:4 الحديث 552.
9 ـ ذكر اليعقوبي في تاريخه 448:2 انّها كانت في يوم الاثنين لسبعٍ خلون من شهر رمضان سنة 201هـ.
10 ـ ذكر ذلك الشيخ المفيد في مسارّ الشيعة، وأبو الفرج الاصبهاني في مقاتل الطالبيين: 48، وابن سعد في طبقاته 11:8.
11 ـ روى ذلك الشيخ المفيد في مسارّ الشيعة، والمشايخ الثلاثة في الكافي 157:4 الحديث 5، ومن لا يحضره الفقيه 102:2 الحديث 457 والتهذيب 193:4 الحديث 552.
12 ـ انظر قصة المؤاخاة في السيرة النبويّة لابن كثير 324:2 ـ 325، وغيرها من كتب السيرة والتاريخ.
13 ـ أورد ذلك الشيخ الطوسي في التهذيب 62:3 الحديث 211 و 212.
14 ـ انظر تاريخ الطبري 537:2، ومقاتل الطالبيين: 49، ودلائل الامامة: 60، وطبقات ابن سعد (مخطوط)، وشذرات الذهب 10:1.
15 ـ ذكر ذلك الشيخ المفيد في مسارّ الشيعة والطبري في تاريخه 44:2 و 294.
× 16 ـ ذكر الطبري في تاريخه 44:2: انّ التقاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم والمشركين ببدر كان صبيحة سبع عشرة من رمضان. وروى ابن كثير في السيرة النبويّة 465:2 عن ابن عباس أنّ وقعة بدر كانت يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضان، وقاله أيضاً أبو جعفر الباقر عليه السّلام وعروة بن الزبير وقتادة وإسماعيل والسدي الكبير.
17 ـ روى ذلك الشيخ المفيد في مسارّ الشيعة، والشيخ الطوسي في التهذيب 196:4 الحديث 561 ومصباح المتهجّد : 570.
18 ـ قال الطبري في تاريخه 69:3 قال ابن اسحاق: وكان فتح مكّة لعشر ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان.
× 19 ـ ذهب إليه الشيخ الكليني في الكافي 452:1. والشيخ الطوسي في التهذيب 196:4 الحديث 561 في حديث طويل قال فيه (... وليلة احدى وعشرين رفع فيها عيسى عليه السّلام، وفيها قبض وصيّ موسى عليه السّلام، وفيها قبض أمير المؤمنين عليه السّلام). وتضمنت الخطبة التي خطبها الإمام الحسن عليه السّلام بعد شهادة أمير المؤمنين عليه السّلام الإشارة إلى هذه الحوادث. انظر ذلك في مقاتل الطالبيين: 52، وتاريخ الطبري 91:6، وابن أبي الحديد 11:4، والارشاد للمفيد: 147، وصفوة الصفوة 126:1. وقال المفيد في الارشاد: 12، وكانت وفاة أمير المؤمنين عليه السّلام قبل الفجر ليلة الجمعة احدى وعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة.
× 20 ـ روى الشيخ الكليني في الكافي 165:4 الحديث 6، والشيخ الصدوق في من لا يحضره الفقيه 107:2 الحديث 463، والشيخ الطوسي في التهذيب 122:3 الحديث 267 و 268، بسندهم عن أبي عبدالله عليه السّلام دعاء طويل في وداع شهر رمضان أوّله: (أللهم انك قلت في كتابك المنزل: «شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن» وهذا شهر رمضان وقد تصرّم، فأسألك بوجهك الكريم...).